عراقنا بلس - في كل صيف، تتجدد المعاناة في العراق مع موجات الحر اللاهبة، لكن صيف 2025 فاق كل التوقعات. تجاوزت درجات الحرارة حاجز الـ52 مئوية في بعض المناطق، فيما سجلت مراكز الأرصاد الجوية أعلى معدلات حرارة في تاريخ البلاد منذ عقود. لم يعد الحر في العراق مجرد ظاهرة موسمية مزعجة، بل تحوّل إلى خطر وطني يهدد الصحة العامة، ويضغط على البنى التحتية الهشة، ويفاقم أزمات الطاقة والمياه.
خطر يهدد الحياة
في محافظات مثل البصرة، ميسان، وذي قار، ارتفعت معدلات الإصابات بضربات الشمس والجفاف، وسط شكاوى من انقطاع الكهرباء لساعات طويلة، ما أدى إلى ارتفاع عدد الوفيات بين كبار السن ومرضى القلب والأطفال. وزارة الصحة العراقية أعلنت تسجيل آلاف حالات الإجهاد الحراري خلال شهر تموز فقط، في ظل إمكانيات طبية محدودة، وضعف الاستجابة الطارئة.
يقول الدكتور علي نجم، أخصائي في مستشفى البصرة العام: "الحرارة تتجاوز قدرة جسم الإنسان على التحمُّل، خاصة مع انعدام التكييف وانقطاع التيار. الحالات التي نستقبلها يوميًا باتت تفوق الطاقة الاستيعابية للمستشفيات."
ضعف البنية التحتية
يُعد ملف الكهرباء من أبرز التحديات المتكررة كل صيف، رغم وعود الحكومات المتعاقبة. ففي صيف 2025، تراجع معدل التجهيز إلى أقل من 12 ساعة يوميًا في بعض المحافظات، وسط طلب مرتفع على الطاقة لتشغيل أجهزة التبريد.
وفي المناطق الريفية والقرى النائية، تعاني العوائل من غياب الكهرباء والمياه الصالحة للشرب، ما يضعف قدرتها على التأقلم مع الظروف القاسية.
يقول المواطن حسين الكعبي من مدينة العمارة: "نبرد مي بالثلاجة ويطفى الكهربا، شنسوي؟ نكعد بالليل برا ونام بالنهار بس ماكو فايدة. الحر نار."
القطاع الزراعي في خطر
لم تسلم الزراعة من تداعيات الموجة الحارة. فدرجات الحرارة العالية تسببت في تبخر المياه من الجداول، وأثرت سلبًا على إنتاج محاصيل مثل الطماطم والحنطة، ما ينذر بتراجع الأمن الغذائي.
المزارع أبو كرار من الديوانية يقول: "النخل يموت واقف، مي ماكو، وحر يحرق الزرع قبل ما ينضج. السنة هاي خسرنا كل شي تقريبًا."
أين خطة الطوارئ؟
رغم التحذيرات المستمرة من وزارة البيئة والهيئة العامة للأنواء الجوية، لم تظهر الحكومة استجابة بمستوى الحدث. لا توجد خطة واضحة للتعامل مع الموجات الحارة، ولا قوانين تلزم المؤسسات بإجراءات وقائية كإغلاق أماكن العمل في ذروة الحرارة أو توزيع المياه الباردة في الأماكن العامة.
يقول الخبير البيئي محمد الشمري: "العراق من أكثر الدول عرضة للتغير المناخي، لكن حتى الآن لا توجد إجراءات وطنية واضحة أو استثمار حقيقي في الطاقة المتجددة."
تغيّر مناخي أم إهمال مزمن؟
الخبراء يتفقون على أن ما يحدث جزء من ظاهرة الاحتباس الحراري العالمي، لكنهم يشيرون أيضًا إلى فشل سياسات إدارة الموارد، وغياب التخطيط العمراني المناسب. فالمناطق السكنية تفتقر للمساحات الخضراء، والأسطح الخرسانية تعكس الحرارة، ما يزيد من "تأثير الجزر الحرارية" في المدن.
ويُشير تقرير البنك الدولي إلى أن العراق قد يشهد ارتفاعًا بدرجتين مئويتين إضافيتين بحلول 2050، إذا استمرت السياسات على ما هي عليه.
الحلول الممكنة
لا يمكن للعراق أن يتحمل موجات الحر القاتلة كل صيف دون تدخل حاسم. من أبرز الحلول المقترحة:
إطلاق خطة وطنية للطوارئ المناخية تشمل إغلاق الدوائر وقت الذروة.
التوسع في مشاريع الطاقة الشمسية لتخفيف الضغط على الشبكة الوطنية.
توزيع نقاط تبريد عامة مجانية في الأسواق والمراكز الحيوية.
تحسين أنظمة الإنذار المبكر.
تشجير المدن وزيادة المساحات الخضراء.
هل من وعي مجتمعي؟
رغم كل شيء، يلاحظ بعض الناشطين تحسنًا في وعي المواطنين. فهناك حملات على مواقع التواصل تنادي بعدم الخروج وقت الذروة، ومبادرات شبابية لتوزيع المياه الباردة والمراوح في المناطق الفقيرة.
يقول الناشط علي الحسني من بغداد: "إحنا ننتظر الحكومة، بس هم نشتغل بجهودنا. هذا بلدنا وإذا ما ساعدنا أهلنا، منو يساعدهم؟"
موجات الحر في العراق لم تعد مجرد فصل صيفي عابر، بل تحوّلت إلى كارثة موسمية تتطلب إعلان حالة طوارئ وطنية. الدولة مطالبة بخطة متكاملة، والمجتمع مدعو إلى التضامن والضغط باتجاه الإصلاح.
قد لا نمنع حرارة الشمس، لكننا بالتخطيط والوعي يمكن أن نمنعها من أن تتحول إلى فاجعة وطنية سنوية.