بغداد – خاص
لم يكن الشهيد علي رشم شاعرًا عاديًا، ولا إعلاميًا يبحث عن أضواء الشهرة. كان حالة استثنائية جمع فيها بين الكلمة والسلاح، بين القصيدة والموقف، حتى قرر في لحظة وعي نادرة أن يترك كل شيء، ويذهب إلى الجبهة، حيث يكون الانتماء الحقيقي، والانتصار الأعمق.
في زمن الصمت والخوف، كان علي رشم يكتب القصيدة ويصرخ بها في وجه الخراب. وحين جاء نداء الوطن، لم يتردد. حمل الكاميرا أولاً، ثم تركها جانبًا، وحمل البندقية، وسار في درب العشق الذي لا عودة منه إلا بالشهادة.
من هو علي رشم؟
ولد علي رشم عام 1988 في بغداد، وكان منذ نعومة أظفاره مولعًا بالشعر الشعبي، يغرف مفرداته من وجع العراقيين وأحلامهم. كتب للوطن، للمقاتلين، للأمهات الثكالى، وللشهداء الذين سبقوه.
عمل إعلاميًا ميدانيًا، ورافق القوات الأمنية والحشد الشعبي في ساحات القتال ضد تنظيم داعش الإرهابي، موثقًا اللحظات النادرة والملاحم التي لا تنسى.
لكن روحه الثائرة لم تكتفِ بالتوثيق، فاختار الانضمام كمقاتل فعلي في معركة تحرير جرف النصر (جرف الصخر سابقًا)، وهناك كتب آخر أبياته بالدم، لا بالحبر.
قرار الشهادة: من الكاميرا إلى البندقية
“الكلمة لم تعد تكفي” – هكذا قال لأحد أصدقائه. كان يؤمن أن الإعلامي الذي يكتفي بالتصوير والكتابة، بينما الوطن يُنهش، لا يؤدي رسالته كاملة. لذلك خلع سترة الصحافة، وارتدى بزّة الميدان، ليخوض المعركة سلاحًا وضميرًا.
شارك في عملية تحرير جرف النصر عام 2014، ضمن صفوف القوات المقاتلة، وهناك أصيب بانفجار لغم أثناء التقدم. نُقل إلى مستشفى بابل، لكنه فارق الحياة متأثرًا بجراحه في السادس من تشرين الثاني (نوفمبر) 2014، ليلتحق بقافلة الخالدين.
شاعر الميدان.. لا المنصة
رغم عمره القصير، ترك علي رشم إرثًا شعريًا عميقًا، وكان يُعرف بين أقرانه بـ”شاعر الموقف”، حيث كانت قصائده تنبض بالغضب والحب والحنين، دون أن يسقط في الخطابة أو الادعاء.
كتب عن الشهداء الذين سبقوه، فكان أحدهم، وكتب عن جرف النصر قبل أن يسقط على ترابها، فصار جزءًا منها.
أطلق عليه زملاؤه ألقابًا كثيرة: “عريس الشهداء”، “الشاعر المقاتل”، “الشهيد الحي في القصيدة”. وقال عنه الشاعر وسام هاشم: “استشهد منكم شاعر.. فلماذا لا تنشرون قصائده؟”.
تكريم وتأبين يليقان بمقامه
أقامت قناة العهد الفضائية مهرجانًا تأبينيًا في أربعينيته، حضره عدد من الأدباء والشعراء والناشطين، حيث أُلقيت فيه قصائد تحاكي روحه، وتستعيد صدى صوته.
الشاعر حسين القاصد، وعزيز شامخ، وحمزة الحلفي، كانوا من بين الحضور الذين أكدوا أن رشم لم يكن مجرد اسم، بل تجربة يجب أن تُوثق وتُدرّس.
إرث لا يموت
إن سيرة علي رشم اليوم تمثل نموذجًا حيًا لجيل جديد من الإعلاميين الذين لم يكتفوا بتغطية الحدث، بل صنعوه. ترك قصائده أمانة في ذاكرة الأصدقاء، وترك دمه شاهدًا على أن الكلمة إن لم تُقاوِم، فإنها تموت.
ولأنه كتب الشعر بصدق، فقد ختمه بخاتمة الشهداء، ليكون اسمه خالداً، يُردَّد في مواكب النصر، وتُضاء له الشموع في كل مجلس وفاء.
علي رشم لم يمت. هو في كل بيت عراقي يحترق بالحب للوطن، وفي كل جبهة يحرسها شاب بكلمة وبندقية. هو قصيدة لم تكتمل، لكنها قالت كل شيء".