علي كريم إذهيب - في قلب بابل، قبل أكثر من 3700 سنة، نهض ملك اسمه حمورابي ليصوغ أولى مدوّنات القوانين المعروفة في التاريخ، محفورًا إياها على لوحٍ من حجر البازلت الأسود. لم تكن قوانينه مجرد عقوبات جنائية، بل شملت جوانب من الحياة الاقتصادية مثل الأجور، الفوائد، الديون، والملكية. واليوم، ونحن نغرق في تعقيدات اقتصاد عراقي يعاني من فوضى القوانين وتضارب السياسات، يبدو السؤال ملحًا: هل كنا أفضل في زمن الطين؟
قوانين حمورابي الاقتصادية: عدالة السوق قبل السوق
من بين 282 مادة تشكّل شريعة حمورابي، أكثر من ثلثها يلامس الشأن الاقتصادي بشكل مباشر. إليك بعض الأمثلة:
• المادة 48: إذا عجز المدين عن السداد بسبب كارثة طبيعية (مثل الفيضانات أو الجفاف)، يتم إعفاؤه من الفائدة مؤقتًا.
• المادة 100-104: تنظم الأجور بين التجار والوسطاء، وتمنع الاحتيال في البيع أو الشراء.
• المادة 215: تحدد أجور الجراحين والعمال، بما يضمن العدالة في المقابل المادي حسب مستوى المهارة والخدمة.
حمورابي لم يؤمن بـ”اليد الخفية” التي تنظّم السوق، بل مدّ يده كملك مشرّع لضبط السوق بوضوح. السوق عنده لم تكن حرة بل منضبطة بالأخلاق والمصلحة العامة.
اقتصاد العراق اليوم: فوضى بلا رادع
اليوم، الاقتصاد العراقي يعاني من أمراض مزمنة: اعتماد مفرط على النفط، بطالة متفشية، قطاع خاص هش، وتضخم في الجهاز الحكومي. ورغم وجود قوانين اقتصادية حديثة، إلا أنها إما غير مفعّلة، أو تُطبق بانتقائية، أو تتغيّر بتغيير الوزير!
• لا توجد عدالة في الأجور، فتقارير ديوان الرقابة المالية تكشف فروقات كبيرة بين موظفين يؤدون وظائف متقاربة.
• لا توجد حماية حقيقية للمدين المتعثر، بل إن بعض المصارف الحكومية تطالب بالفائدة حتى أثناء الأزمات، خلافًا لما فعله حمورابي قبل آلاف السنين!
• قانون الاستثمار يُحدّث كل بضع سنوات، لكنه غالبًا يُفصَّل على مقاس المستثمرين الكبار، دون حماية حقيقية للصغار أو للمحليين.
الفرق بين اللوح والطاولة
ما بين “لوح” حمورابي الحجري، و”الطاولة” التي يجتمع حولها مسؤولونا الاقتصاديون اليوم، فرق جوهري:
في الأول، كانت القوانين تُكتب لتُنفّذ. أما اليوم، فنكتب القوانين لنسوّق بها، لا لنُطبّقها.
هل نحتاج إلى “شريعة اقتصادية عراقية”؟
قد لا نعود إلى البازلت، لكن نحتاج بوضوح إلى ما يشبه “شريعة اقتصادية عراقية جديدة”، تركّز على:
• حماية الطبقات الهشّة.
• ضبط أسعار السوق بآليات عادلة.
• إعادة تعريف العلاقة بين الدولة والمواطن في موضوع الضرائب والدعم.
• تفعيل القضاء الاقتصادي لمحاسبة الفساد في العقود والمشاريع.
كلمة أخيرة
حمورابي، رغم قسوته في بعض العقوبات، فهم أن الاقتصاد ليس لعبة أرقام، بل منظومة ثقة وعدالة.
فهل نجرؤ اليوم، بعد آلاف السنين، أن نتعلم من طيننا القديم كيف نبني مستقبلًا أكثر صلابة؟ أم نبقى في دوامة لا يحكمها قانون ولا يرعاها عقل؟
قوانين حمورابي الاقتصادية: عدالة السوق قبل السوق
من بين 282 مادة تشكّل شريعة حمورابي، أكثر من ثلثها يلامس الشأن الاقتصادي بشكل مباشر. إليك بعض الأمثلة:
• المادة 48: إذا عجز المدين عن السداد بسبب كارثة طبيعية (مثل الفيضانات أو الجفاف)، يتم إعفاؤه من الفائدة مؤقتًا.
• المادة 100-104: تنظم الأجور بين التجار والوسطاء، وتمنع الاحتيال في البيع أو الشراء.
• المادة 215: تحدد أجور الجراحين والعمال، بما يضمن العدالة في المقابل المادي حسب مستوى المهارة والخدمة.
حمورابي لم يؤمن بـ”اليد الخفية” التي تنظّم السوق، بل مدّ يده كملك مشرّع لضبط السوق بوضوح. السوق عنده لم تكن حرة بل منضبطة بالأخلاق والمصلحة العامة.
اقتصاد العراق اليوم: فوضى بلا رادع
اليوم، الاقتصاد العراقي يعاني من أمراض مزمنة: اعتماد مفرط على النفط، بطالة متفشية، قطاع خاص هش، وتضخم في الجهاز الحكومي. ورغم وجود قوانين اقتصادية حديثة، إلا أنها إما غير مفعّلة، أو تُطبق بانتقائية، أو تتغيّر بتغيير الوزير!
• لا توجد عدالة في الأجور، فتقارير ديوان الرقابة المالية تكشف فروقات كبيرة بين موظفين يؤدون وظائف متقاربة.
• لا توجد حماية حقيقية للمدين المتعثر، بل إن بعض المصارف الحكومية تطالب بالفائدة حتى أثناء الأزمات، خلافًا لما فعله حمورابي قبل آلاف السنين!
• قانون الاستثمار يُحدّث كل بضع سنوات، لكنه غالبًا يُفصَّل على مقاس المستثمرين الكبار، دون حماية حقيقية للصغار أو للمحليين.
الفرق بين اللوح والطاولة
ما بين “لوح” حمورابي الحجري، و”الطاولة” التي يجتمع حولها مسؤولونا الاقتصاديون اليوم، فرق جوهري:
في الأول، كانت القوانين تُكتب لتُنفّذ. أما اليوم، فنكتب القوانين لنسوّق بها، لا لنُطبّقها.
هل نحتاج إلى “شريعة اقتصادية عراقية”؟
قد لا نعود إلى البازلت، لكن نحتاج بوضوح إلى ما يشبه “شريعة اقتصادية عراقية جديدة”، تركّز على:
• حماية الطبقات الهشّة.
• ضبط أسعار السوق بآليات عادلة.
• إعادة تعريف العلاقة بين الدولة والمواطن في موضوع الضرائب والدعم.
• تفعيل القضاء الاقتصادي لمحاسبة الفساد في العقود والمشاريع.
كلمة أخيرة
حمورابي، رغم قسوته في بعض العقوبات، فهم أن الاقتصاد ليس لعبة أرقام، بل منظومة ثقة وعدالة.
فهل نجرؤ اليوم، بعد آلاف السنين، أن نتعلم من طيننا القديم كيف نبني مستقبلًا أكثر صلابة؟ أم نبقى في دوامة لا يحكمها قانون ولا يرعاها عقل؟