علي كريم إذهيب – بعد سنوات من الترقب والمعاناة، افتتح رئيس الوزراء محمد شياع السوداني اليوم “مطار الموصل الدولي”، ليُعيد الحياة إلى مشروع تأجل طويلًا بفعل الحروب والبيروقراطية والفساد. الافتتاح لم يكن مجرد قصّ شريط أحمر، بل لحظة فارقة لمحافظة نينوى، التي تنتظر من هذا المشروع أن يعيد لها موقعها الاقتصادي والاستراتيجي، ويكسر عزلتها عن محيطها الإقليمي والدولي.
لكن السؤال الذي يفرض نفسه: ما هي الجدوى الاقتصادية والاستثمارية الحقيقية من هذا المشروع؟ وهل سيبقى مطار الموصل صرحًا إسمنتيًا يُضاف إلى قائمة المشاريع غير الفاعلة، أم سيكون حافزًا لتحريك عجلة التنمية في نينوى والعراق عمومًا؟
نينوى بين الدمار والطموح
نينوى، ثاني أكبر محافظات العراق من حيث عدد السكان، وواحدة من أغناها تاريخيًا وثقافيًا، شهدت خلال السنوات الماضية دمارًا هائلًا بفعل اجتياح تنظيم داعش، ومن ثم الحرب التي تلت تحرير المدينة. البنية التحتية للمحافظة تهشّمت، وتم تهجير الآلاف، وتوقفت عجلة الاستثمار. وفي ظل هذه الظروف، لا يمكن التقليل من أهمية وجود مطار دولي يُعيد ربط المدينة بالعالم، ويوفر نافذة للتنمية.
وفقًا لتقديرات وزارة النقل، فإن المطار يمكنه استقبال أكثر من مليون مسافر سنويًا في مرحلته الأولى، على أن يتوسع لاحقًا ليستوعب 3 ملايين مسافر. هذا الرقم قد يبدو طموحًا في ظل واقع الخدمات المحدود، لكنّه يعطي مؤشرًا على الرؤية الحكومية بعيدة المدى.
فرص استثمارية في الأفق
الجدوى الاقتصادية من افتتاح مطار الموصل لا تقتصر على حركة النقل الجوي فقط. فالمطار يمكن أن يشكّل حجر الأساس لمجموعة مشاريع استثمارية مرافقة، تشمل:
• قطاع السياحة: الموصل تملك إرثًا حضاريًا عالميًا، من آثار نينوى، إلى جامع النوري ومنارة الحدباء، إلى دير مار بهنام وكنائس الموصل القديمة. إعادة تأهيل هذه المواقع مع تسهيل الوصول إليها جوًا سيعيد جذب السياح والباحثين والوفود الدينية، مما يفتح سوقًا جديدًا للفنادق والخدمات.
• التجارة والنقل اللوجستي: موقع الموصل الجغرافي، قرب الحدود مع سوريا وتركيا، يجعل منها نقطة عبور إستراتيجية. وجود مطار فعال قد يُعيد دور الموصل كمركز لوجستي للمنطقة الغربية، خاصة إذا ما اقترن بمشاريع الطرق السريعة وربطها بالمنافذ الحدودية.
• الصناعات المحلية: تسهيل حركة التصدير الجوي، خصوصًا للمنتجات الزراعية والحيوانية التي تشتهر بها نينوى، يمكن أن يخلق فرصًا جديدة للمزارعين والمصنعين المحليين، ويشجع على عودة الاستثمارات الزراعية.
عوائق محتملة وواقع صعب
ورغم هذه الآفاق الواسعة، تبقى التحديات حاضرة. فالمطار وحده لا يصنع التنمية، ما لم تُستكمل سلسلة الخدمات والمشاريع التي تجعله جزءًا من منظومة اقتصادية متكاملة. فالبنية التحتية المحيطة ما تزال تعاني، من طرق غير مؤهلة، إلى ضعف في منظومة الكهرباء، إلى هشاشة في الأمن المحلي في بعض المناطق الريفية.
كما أن مخاوف الفساد تلاحق المشاريع الكبرى في العراق. عدد من المواطنين والناشطين عبروا عن قلقهم من أن يتحول المطار إلى مشروع استعراضي لا ينعكس فعليًا على الواقع الاقتصادي، ما لم يُدار بكفاءة، وتُفتح أبوابه للقطاع الخاص ضمن بيئة قانونية واضحة وشفافة.
رسائل سياسية وتنافس إقليمي
افتتاح مطار الموصل يحمل أيضًا أبعادًا سياسية. فالحكومة العراقية، من خلال هذا المشروع، توجّه رسائل داخلية وخارجية، مفادها أن مرحلة الإعمار بدأت، وأن المحافظات المنكوبة لم تُنسَ بعد الحرب. كما أنه يأتي ضمن سباق إقليمي على النفوذ في شمال العراق، بين دول ترى في نينوى بوابة عبور نحو أسواق ومصالح متعددة.
وبحسب خبير الاقتصاد السياسي د. أحمد السعيدي، فإن “تشغيل المطار يجب أن يترافق مع خلق وظائف حقيقية، وتسهيل إجراءات دخول وخروج المستثمرين والبضائع. عندها فقط نستطيع الحديث عن جدوى حقيقية، لا مجرد مشروع بنية تحتية.”
بين الأمل والاختبار
مطار الموصل الدولي قد يكون خطوة أولى في رحلة الألف ميل نحو إعادة إعمار نينوى، وتحويلها إلى مركز استثماري وسياحي واعد. لكنه في الوقت ذاته، اختبار حقيقي لقدرة الحكومة على تحويل المشاريع من شعارات إلى منجزات ملموسة.
يبقى الرهان على حسن الإدارة، وتفعيل الشراكة مع القطاع الخاص، والأهم: كسب ثقة المواطن الموصلي، الذي دفع ثمن الحرب أكثر من غيره، وينتظر أن يترجم هذا المشروع إلى فرص عمل، وخدمات أفضل، ومستقبل أكثر استقرارًا.
فهل تحلّق نينوى من جديد؟ الأيام وحدها كفيلة بالإجابة!