علي كريم إذهيب - في مثل هذا اليوم من سنة 61 للهجرة، سجّل التاريخ واحدة من أنقى صفحات البطولة والفداء، حين ارتقى العباس بن علي بن أبي طالب شهيدًا على أرض كربلاء، تاركًا خلفه إرثًا خالدًا من الشجاعة، القوة، والولاء المطلق لأخيه الإمام الحسين (عليه السلام).
لم يكن العباس مجرد أخ أو ابن أو جندي في صفوف معركة. كان رايةً تمشي، وصوتًا للفداء، وقلبًا نابضًا بالإيمان. عرفه الناس بـ”باب الحوائج”، ولكن في ساحة الحرب، عُرف بـ”قمر بني هاشم”، فارسًا لا يُجارى، وسيفًا لا يُكسر.
شجاعة لا نظير لها
تجلّت شجاعة العباس في ميدان الطف بأسمى معانيها. لم يكن يهاب الموت، بل كان يتقدمه وهو ثابت كالجبل، يندفع في صفوف الأعداء كالإعصار، لا تردّه السيوف ولا تزعزعه الرماح. روى المؤرخون أن الحسين (ع) كان كلما نظر إلى العباس في قلب المعركة، اطمأنّ قلبه، وكأن وجوده كان درعًا واقيًا وركنًا راسخًا في خيمة الحق.
دخل المعركة في يوم عاشوراء وهو يعلم أن لا عودة له، وأن الماء الذي خرج ليأتي به لأطفال الحسين لن يرتوي به. ومع ذلك، لم يتراجع، لم يساوم، ولم يتردد. فقد كانت القضية عنده أكبر من عطش، وأكبر من نصر سريع. كانت ولاءً للحسين، وللحقيقة التي يمثلها الحسين.
قوّة تفوق الجموع
لم يكن العباس مجرد شجاع، بل كان قوي البنية، شديد البأس، حتى أن فرسان بني أمية تهيّبوا مواجهته فردًا. وقد ورد في بعض الروايات أن العشرة لا يجرؤون على مواجهته دفعةً واحدة، وكانوا يتحاشونه حتى وهم بالمئات. لكن العباس ما كان يعتمد على قوته الجسدية وحدها، بل كان يستمد عزيمته من الإيمان واليقين، ومن حبه لأخيه الحسين وأهل بيته.
وفي لحظة سقوطه، حين قطعت يداه وهو يحمل قربة الماء، لم يتراجع. ظل يركض نحو المخيم، لا يريد نصرًا لنفسه، بل نقطة ماء يروي بها شفاه الأطفال العطشى.
رمزٌ خالد
في ذكرى استشهاده، لا نقرأ سيرة رجل قُتل في معركة، بل نحيي ذكرى بطل أصبح رمزًا للثبات في الموقف، وللشجاعة حين تذوب الحياة في سبيل المبدأ. العباس ليس مجرد شخصية تاريخية، بل مدرسة حيّة نتعلّم منها كيف يكون الوفاء في زمن الخذلان، والبطولة في زمن الخوف.
سلامٌ على العباس يوم ولد، ويوم استُشهد، ويوم يُبعث حيًا.