تحليل عراقنا بلس - في زيارة ذات طابع دبلوماسي ورمزي عميق، استقبل الرئيس السوري أحمد الشرع، الذي برز مؤخراً إلى صدارة المشهد السوري، المبعوث الخاص لرئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، عزت الشابندر، في العاصمة دمشق. زيارة قد تبدو روتينية في ظاهرها، لكنها في الحقيقة تحمل رسائل متراكبة وتقاطعات سياسية بين حاضر متغيّر وماضٍ لا يزال يلقي بظلاله الثقيلة على العلاقة بين بغداد ودمشق.
أولاً: من هو أحمد الشرع ولماذا هو الآن؟
يُنظر إلى أحمد الشرع، الذي تولى منصب الرئاسة في مرحلة انتقالية بعد سنوات من الحرب والصراع الداخلي، كشخصية توافقيّة داخل بنية النظام السوري. يأتي بروزه بعد تراجع دور بشار الأسد نتيجة تحولات داخلية وضغوط إقليمية، ويمثل محاولة لإعادة تقديم وجه جديد لسوريا.
استقباله لعزت الشابندر، السياسي العراقي المعروف بعلاقاته المعقدة مع الأطراف العراقية والإيرانية والدولية، لا يمكن قراءته إلا كمحاولة لفتح قناة اتصال مباشرة مع العراق، بلد المحور الإقليمي المتوازن بين واشنطن وطهران، وبين العرب والفرس، وبين الخليج والشام.
ثانياً: عزت الشابندر.. رسول الصفقات غير المُعلنة
اختيار الشابندر كمبعوث خاص لا يأتي من فراغ. فهو سياسي براغماتي له علاقات عميقة في الداخل العراقي وفي أروقة القرار السوري والإيراني على حد سواء. لطالما كان وسيطاً في ملفات إقليمية حساسة، وهو يتحرك غالباً في “المناطق الرمادية” بعيداً عن الإعلام الرسمي.
مجيئه إلى دمشق في هذا التوقيت، برسالة من السوداني، يرمز إلى رغبة العراق بلعب دور الوسيط الإقليمي لا فقط بين الأطراف المتخاصمة، بل أيضًا بين الدول التي تشهد قطيعة سياسية طويلة كالعراق وسوريا ما بعد 2011.
ثالثاً: قراءة التوقيت – لماذا الآن؟
توقيت الزيارة ليس عشوائيًا. تأتي في ظل:
• تقارب عربي محتمل مع دمشق ضمن أطر قمة عربية مقبلة، قد تشهد بداية “إعادة تدوير” النظام السوري ضمن المنظومة العربية.
• الضغط المتصاعد على الحكومة العراقية من الداخل والخارج، ما يدفعها للبحث عن أدوار دبلوماسية تعزز استقلالها وسيادتها.
• تراجع النفوذ الأميركي تدريجيًا في المنطقة، في ظل أزمات الداخل الأميركي وصعود قوى جديدة، وهو ما يفتح المجال أمام عواصم مثل بغداد ودمشق لمد الجسور القديمة.
• تقارب عربي محتمل مع دمشق ضمن أطر قمة عربية مقبلة، قد تشهد بداية “إعادة تدوير” النظام السوري ضمن المنظومة العربية.
• الضغط المتصاعد على الحكومة العراقية من الداخل والخارج، ما يدفعها للبحث عن أدوار دبلوماسية تعزز استقلالها وسيادتها.
• تراجع النفوذ الأميركي تدريجيًا في المنطقة، في ظل أزمات الداخل الأميركي وصعود قوى جديدة، وهو ما يفتح المجال أمام عواصم مثل بغداد ودمشق لمد الجسور القديمة.
رابعاً: ماذا يريد كل طرف؟
بغداد:
• استعادة دورها كـ”عاصمة وسط” بين المحاور.
• ضمان حدود مستقرة مع سوريا، خصوصاً مع تنامي خطر فلول داعش.
• تأمين طريق بري اقتصادي – سياسي نحو البحر المتوسط عبر سوريا.
دمشق:
• كسر العزلة عبر قنوات عربية غير رسمية.
• تأكيد أنها لا تزال “حيّة سياسياً” رغم الضربات الدولية.
• استخدام العراق كبوابة لإعادة التواصل مع دول الخليج، ولا سيما السعودية والإمارات.
خامساً: هل نشهد ولادة محور جديد؟
لقاء الشرع بالشابندر ليس مجرد زيارة بروتوكولية. هو على الأرجح بداية لمسار سياسي غير معلن يُعاد رسمه بين بغداد ودمشق، مدعوم بتفاهم إيراني – روسي – عراقي ضمني، وقد يُتوّج لاحقًا بتحالف اقتصادي أو أمني جديد.
كما قد يمهد اللقاء أيضًا لمحاولة إعادة دمج سوريا في الإطار العربي، من البوابة العراقية لا الخليجية. فبغداد تمتلك رصيدًا سياسيًا أقل حدة من بقية العواصم، ولديها قدرة على المناورة دون أن تبدو كأنها تعيد تأهيل النظام السوري بالكامل.
الطريق من بغداد إلى دمشق… يمر عبر الرمزية
استقبال أحمد الشرع لعزت الشابندر هو أكثر من لقاء رسمي. هو رسالة إلى العالم بأن دمشق لم تُغلق بابها، وأن بغداد لم تعد تكتفي بدور المتلقي بل تريد أن تكون صانعة توازنات. والشرع، الذي يطلّ برصانة في لحظة إقليمية معقدة، قد يكون بوابة سوريا نحو لغة سياسية جديدة، تبدأ من الحياد… ولا تنتهي بالاصطفاف.