د.مثنى إبراهيم الطالقاني – في زمن غابت فيه البوصلة وتشوهت المفاهيم، لم يعد غريباً أن تُشيطن الدول التي تسعى لامتلاك أدوات القوة، بينما يُمنح الكيان الصهيوني كل أسباب التفوق والدعم، رغم تاريخه الدموي وجرائمه التي لا تنتهي، إسرائيل الكيان الغاصب الذي لا يملك شرعية تاريخية ولا إنسانية، بات يُعامل كدولة طبيعية في حين تُحاصر إيران فقط لأنها اختارت أن تكون دولة إسلامية قوية مثل باكستان وتمتلك قدرة الردع والدفاع عن نفسها وعن حلفائها في المنطقة.
نعم، هذا هو الواقع الذي يُغير المعادلات، الأنظمة السياسية واللوبيات الغربية تسير جميعها على خطى إسرائيل، ولا تسمح لدولة مسلمة في الشرق الأوسط أن تمتلك قوة ردع أو قدرة على الدفاع، إلا مقابل خنوع وتطبيع غير مشروط، وتحقيق مكاسب أحادية الجانب،
هذا هو منطق الهيمنة الآن: إضعاف دائم، وسيطرة أبدية.
إيران بجغرافيتها المعقدة وإرادتها الصلبة استطاعت أن تفرض نفسها كلاعب محوري في المشهد العالمي الجديد، بدلالة ذلك الفشل الإسرائيلي في حسم المعارك مبكراً فقد فجرت الصواريخ الإيرانية مفاجأة استراتيجية أربكت حسابات الكيان وفرضت معادلات جديدة في ميزان الردع بالرغم من أن الكيان الصهيوني هو من بدأ الحرب والعدوان، لإظهار تفوقه الاستخباري بضوء اخضر أمريكي وغربي.
لكن حجم الرد الإيراني كان صادماً ومرعباً بالنسبة لهم خراب واسع، خسائر كبيرة، والملايين مرعوبون في الملاجئ.
إن صغر حجم الأراضي التي يحتلها الصهاينة يجعلهم غير قادرين على تحمل المواجهة لفترة طويلة، ولو رفعت أمريكا يدها يوماً واحداً لانهارت إسرائيل تحت ضربات دولة محاصرة منذ أربعة عقود.
نعم، الصهاينة بارعون في المكر والغدر والدسيسة، لكنهم جبناء في المواجهة الحربية، وهذا ما أشار إليه القرآن الكريم في أكثر من موضع.
وفي خلفية هذا المشهد برزت مواقف منحازة للعدو المشترك تحركها نوازع الحقد الطائفي أو المذهبي أو التشفي، مما يكشف حجم الاصطفافات المتشابكة في صراع تتجاوز تعقيداته حدود الجغرافية والسياسة.
وفي هذا المشهد المقلوب، لا يسأل أحد لماذا لا يُعد امتلاك إسرائيل للتكنولوجيا النووية تهديداً للأمن العالمي رغم تجاوزها جميع الخطوط الحمر بقتل النساء والاطفال بدم بارد في فلسطين ولبنان؟، لماذا يُقبل منها ما لا يُقبل من غيرها؟، ولماذا تُشيطن إيران لا لشيء سوى أنها اختارت المواجهة ورفضت التبعية؟
الجواب المؤلم يكمن في العقل العربي ذاته، الذي تلوث بالطائفية والمذهبية حتى أصبح لا يرى إيران إلا من زاوية ضيقة لا من منظور سياسي أو مبدئي.
لقد نجحت ماكينة “الموساد” ووكالة الاستخبارات الأميركية (CIA) في بث السموم وتغذية الانقسام العربي والإسلامي حتى صار الشيعي عدواً وأن كان يقف في وجه إسرائيل، وصار الآخرون أصدقاء حتى لو كانوا مطبعين مع الاحتلال وينفقون عليه الأموال.
هذا المقال الثالث أكتبه منذ 7 أكتوبر حول الخذلان العربي، الذي تفككت فيه روابط العروبة وتراجعت فيه جامعة الإسلام، حتى باتت إسرائيل المستفيد الوحيد من هذا الخراب، وأصبح بعض العرب للأسف شركاء حقيقيين في إراقة الدماء، من خلال دفع التريليونات إلى الولايات المتحدة التي تمنح نصفها دعماً لوجستياً وعسكرياً لإسرائيل لتواصل حربها على المقاومة وتجهز على ما تبقى من روح الكرامة في هذه الأمة.
فمن يقود العقل العربي اليوم
هل الإعلام المضلل، أم الحكام الخونة، أم الجهل المقدس؟
كيف لأمةٍ بأكملها أن تعيش حالة من الذل والهزيمة، بينما تُستباح ثرواتها ويُنهب مستقبلها وتُسلب حريتها دون أن تتحرك إلا لتبرير العجز والبحث عن شماعة تُعلق عليها فشلها كدعمها للنظام السوري السابق الذي يحكمه الآن الأرهابيون؟!
هناك تعليق اراه على مواقع التواصل الإجتماعي اصاب الحقيقة كثيراً يقول :”تضرب إسرائيل اليمن وسوريا والعراق ولبنان، ثم تضرب إيران، فتفرح بعض الشعوب العربية وكأنها انتقمت، لا من عدوها، بل من عقدها.. وحين تتأخر إيران في الرد، يسخرون: “أين الرد؟”، وحين يأتي الرد، يقولون: “مسرحية!”، وإن كان الرد قاسياً، اتهموها بإشعال المنطقة، وحين يتأكد لهم أنه انتقام حقيقي لقضية عادلة، يتوسلون بالدعاء: “اللهم اضرب الظالمين بالظالمين وأخرجنا سالمين!”.
لك أن تتخيل عزيزي العربي والمسلم مدى الانحطاط الفكري المتلوث بالطائفية المقنعة وكأن القضية ليست قضيتكم وكأن القدس لا تعنيكم، وكأن المقاومة رجس يجب التخلص منه!.
لقد أصبح بعض العرب يعيشون نشوة “الانتصار الكاذب”، لا بصمودهم، بل بضربات سيدهم المتغطرس، حتى فقدوا القدرة على التمييز، بين الجلاد والضحية وبين العدو والحليف وبين المقاومة التبعية.
ويا للأسف حين تتراجع الكرامة في وجدان الأمة لا يصبح الإنسان بلا قيمة فحسب بل يصبح خطراً على نفسه وعلى قضاياه، فالأمة التي ترى في الدفاع عن النفس عبثاً وفي الرد على العدوان مغامرة وفي المقاومة تهديداً، هي أمة فقدت الوعي والمكانة والطريق.
فإلى متى سيبقى العرب يسيرون بلا عقل بلا كرامة بلا هدف وإلى متى تبقى إسرائيل تقطف ثمار انقسامنا وجهلنا وسكوتنا، هل لا تزال لدينا قضية أم أننا فقدناها حين فقدنا أنفسنا؟