أقسام الوصول السريع (مربع البحث)

📁 آخر الأخبار

الذباب الإلكتروني والاستحقاق الانتخابي القادم

في عالم يضج بالصوت والصدى وتضيق فيه المسافة بين الحقيقة والتضليل يظهر الذباب الإلكتروني كواحد من أخطر أدوات التشويش في العصر الرقمي لا يحمل سلاحًا تقليديًا لكنه يصيب الوعي ويُربك الإدراك ويزرع الشك ويشوّه أي محاولة جادة لبناء الدولة أو استعادة ثقة الناس بمؤسساتهم

نعيش اليوم تحولات حقيقية لا يمكن إنكارها تحولات تمضي رغم التحديات وسط إرادة حكومية واضحة تسعى إلى ترسيخ الأمن الشامل وتطوير الخدمات وبناء مؤسسات فعالة وتعزيز مكانة الدولة محليًا ودوليًا،  في وقت تتأهب فيه البلاد لمرحلة انتخابية جديدة تمثل فرصة لتجديد الإرادة الشعبية وتوسيع المشاركة السياسية على أسس ناضجة وشفافة… ولكن علينا الحذر ففي هذه المرحلة بالذات تصبح الكثير من الأمور هدفًا مباشرًا لماكينات الذباب الإلكتروني التي تسعى إلى ضرب الثقة بالعملية الديمقراطية قبل أن تبدأ

الذباب الإلكتروني لا يعمل بمفرده بل هو منظومة تُدار من غرف مغلقة وفِرق مموّلة تستخدم أحدث أدوات الذكاء الاصطناعي والتحليل النفسي لإغراق الفضاء العام بسرديات قاتمة تشكّك في جدوى الانتخابات وتنشر اليأس بين الناخبين وتشيع اعتقادًا زائفًا أن كل صوت لا معنى له وأن العملية برمتها لا جدوى منها .

هذا النوع من الخطاب الممنهج لا يستهدف فقط تشويه صورة الحكومة بل أيضًا تقويض الثقة الشعبية بالانتخابات باعتبارها أحد أعمدة الشرعية الديمقراطية وهو خطاب يتم ترويجه بشكل مكثف في الاوقات التي تقترب فيها لحظة الاختيار الشعبي وذلك بهدف إحباط الناس قبل أن يتوجهوا إلى صناديق الاقتراع وبث الفوضى العاطفية التي تمنعهم من رؤية الحقيقة

ما يجري ليس مجرد نشاط رقمي مزعج بل هو محاولة منظمة لإضعاف المناعة الوطنية وتثبيط المشاركة العامة وتقديم صورة مشوهة عن الواقع العراقي الذي يشهد بالفعل تحسنًا واضحًا في مؤشرات الأداء المؤسسي والشفافية والإدارة العامة وتلك التحسينات لا تُعجب من يريد للعراق أن يبقى عالقًا في حلقة الانقسام والتشكيك واللايقين

المؤسف أن بعض المواطنين يساهمون دون وعي في تضخيم هذا الذباب عبر الإعجاب أو إعادة النشر أو التفاعل مع حسابات وهمية لا تبحث عن حوار بل عن استفزاز دائم يحاول ان يخلق جوًا من الغضب المُفتعل والتشكيك العام وهو ما يُضعف فرص الإصلاح الحقيقية التي لا تقوم إلا على مشاركة واعية وانتخابات حرة .

مواجهة هذا الواقع لا تكون بالصمت ولا بردود الفعل العاطفية بل ببناء وعي متين يبدأ من المدرسة ويتعزز في الإعلام ويتجذر في ثقافة كل فرد يعرف قيمة الحقيقة ويُدرك أن من يحاول إسكات صوته عبر التشويه هو ذاته من يخاف من إرادته حين تتحول إلى فعل سياسي حر داخل صندوق الاقتراع

حين يعرف المواطن أن الذباب الإلكتروني لا يستهدف فقط وعيه بل أيضًا صوته فإن الدفاع عن الحقيقة يصبح جزءًا من الدفاع عن المستقبل وحين يُدرك أن محاولات التشكيك ليست بريئة بل مُصمّمة لإبقائه على هامش التأثير يُدرك أن المشاركة ليست فقط حقًا بل مسؤولية وطنية كبرى في لحظة مصيرية من تاريخ البلاد

العراق لا يُبنى بالصوت العالي بل بالصوت الهادئ الواعي في المكان الصحيح وفي الزمن الحاسم والانتخابات القادمة ليست مجرد محطة سياسية بل امتحان كبير للثقة التي تجاهد الحكومة ترميمها مع كل خطوة إصلاحية ومع كل محاولة جادة لتثبيت الاستقرار لذلك فإن حماية الوعي الانتخابي مسؤولية الجميع تمامًا كحماية الأمن والسيادة والكرامة الوطنية


اللواء الدكتور سعد معن إبراهيم

رئيس خلية الإعلام الأمني




تعليقات