خاص - تشهد العلاقات بين الحكومة الاتحادية في بغداد وحكومة إقليم كردستان العراق في أربيل تراجعاً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة، بعد فترة قصيرة من “التهدئة السياسية” التي أعقبت تشكيل حكومة محمد شياع السوداني في أكتوبر 2022. ورغم التصريحات المتبادلة التي تتحدث عن “الرغبة في الحل”، فإن الملفات العالقة، وعلى رأسها ملف النفط والغاز، لا تزال تعيق أي تقارب فعلي، وتدفع بالمشهد نحو مزيد من التأزيم.
الخلاف النفطي.. جذر الأزمة
يُعد الملف النفطي أبرز أسباب التوتر بين بغداد وأربيل. فحكومة الإقليم تواصل تصدير النفط عبر ميناء جيهان التركي بشكل مستقل عن شركة “سومو” الحكومية العراقية، وهو ما تعتبره بغداد مخالفة دستورية وقانونية.
ورغم عقد عدة اجتماعات بين وزارات النفط في الجانبين، إلا أن الخلافات بشأن آلية الإدارة، التصدير، وتقاسم الإيرادات ما زالت قائمة. ويشكو الإقليم من عدم التزام بغداد بدفع مستحقاته المالية، في حين تطالب بغداد بضرورة تسليم نفط الإقليم كاملاً وإخضاعه لسلطة الدولة.
المرونة السياسية تغيب.. والاحتقان يتصاعد
الخطاب السياسي المتبادل بين الجانبين يشهد تصعيداً متزايداً. قيادات كردية تتهم الحكومة الاتحادية بـ”محاصرة” الإقليم اقتصادياً، فيما تشير شخصيات داخل الإطار التنسيقي إلى أن الإقليم “يصر على التصرف ككيان مستقل داخل دولة اتحادية”.
تأزيم العلاقات لا يقتصر على الجانب النفطي فقط، بل يمتد إلى ملفات الموازنة، الرواتب، والمناطق المتنازع عليها، مما يجعل من أي تقارب أمراً معقداً ويحتاج إلى حلول جذرية وتنازلات متبادلة.
في مارس 2023، أصدرت المحكمة الاتحادية العليا قرارًا بوقف تصدير نفط الإقليم عبر تركيا، مما أدى إلى توقف صادرات نفط الإقليم بشكل شبه كامل، وأثر سلبًا على اقتصاد كردستان المعتمد بشكل رئيسي على إيرادات النفط.
رئيس حكومة الإقليم، مسرور بارزاني، وصف امتناع بغداد عن إرسال المستحقات المالية المثبتة في الموازنة العامة الاتحادية بأنه انتهاك للاتفاقات الدستورية، مؤكدًا أن ذلك يلحق الضرر بمواطني الإقليم ويقوض الثقة بين الجانبين.
من جهته، تعهد رئيس إقليم كردستان، نيجيرفان بارزاني، بحل الخلافات العالقة بين بغداد وأربيل في إطار الدستور العراقي، مشددًا على أهمية التفاهم والتعاون بين الجانبين.
ونقلت وسائل إعلام عن المصادر أن السوداني قد يبدأ اتصالات سريعة مع الكتلة الكردية في بغداد، وقد يلتقي بممثليها.
وكانت وزيرة المالية، طيف سامي، قد أصدرت كتاباً وجّهته لحكومة الإقليم، أبلغتها فيه بتوقف التمويل، بذريعة أن الإقليم تجاوز حصته المحددة في الموازنة (12.67 في المائة)، مشيرة إلى أن حجم الإيرادات النفطية وغير النفطية للإقليم منذ عام 2023 بلغ 19.9 تريليون دينار، مقابل تسليمه فقط 598.5 مليار دينار إلى بغداد.
وتزامن القرار، الذي وصفته أطراف كردية بأنه «مفاجئ وقاتل»، مع اقتراب عيد الأضحى، ما أدى إلى تصاعد حدة الغضب الشعبي والسياسي في الإقليم.
خسارة تريليونات الدنانير
قانون النفط والغاز.. الحل المؤجل منذ 2007
في ظل هذا التوتر، يُجمع معظم المراقبين على أن الحل يكمن في تشريع قانون النفط والغاز، الذي تأخر لأكثر من 15 عاماً. فالقانون الذي يفترض أن يحدد الصلاحيات بشكل واضح بين الحكومة الاتحادية والأقاليم في إدارة الثروة النفطية، لا يزال حبيس الخلافات السياسية وعدم وجود توافق بين الأطراف.
وفق الدستور العراقي (المادة 112)، فإن إدارة النفط والغاز يجب أن تكون “بالتعاون بين الحكومة الاتحادية وحكومات الأقاليم”، لكن غياب قانون ينظم هذه العملية أفسح المجال للتأويل والتنازع.
الحكومات المتعاقبة قدمت عدة مسودات للقانون، لكن جميعها اصطدمت برفض الأطراف، سواء بسبب الخلاف على نسب التوزيع، أو على آلية الإدارة والإشراف، أو على الجهة المخولة بالتعاقد مع الشركات الأجنبية.
حلول برلمانية!
تقترح عضو لجنة النفط البرلمانية زينب جمعة الموسوي عدة حلول لإنهاء الأزمة الحادة بين بغداد و أربيل من خلال:
1. تشريع قانون النفط والغاز عبر توافق وطني شامل، بما يضمن العدالة في توزيع الثروات ويحدد صلاحيات كل طرف بشكل واضح.
2. إنشاء شركة وطنية لإدارة النفط في الإقليم تحت إشراف مشترك بين بغداد وأربيل، لضمان الشفافية والسيطرة على الإيرادات.
3. الاتفاق على آلية تسوية مالية مؤقتة تضمن دفع مستحقات موظفي الإقليم بانتظام مقابل التزام الإقليم بضخ كميات محددة من النفط إلى سومو.
4. إعادة تفعيل لجان التنسيق الفنية والسياسية بين المركز والإقليم لمتابعة القضايا العالقة بحوار مؤسسي ومستمر.
5. تدخل وساطة دولية أو أممية فنية (وليس سياسية) للمساعدة في صياغة حلول مشتركة تُبنى على أسس فنية لا مصالح ضيقة.
العلاقة بين بغداد وأربيل تمر بمنعطف حرج، ولا يمكن معالجة أزماتها بتصريحات إعلامية أو تفاهمات مؤقتة. إن استقرار العراق السياسي والاقتصادي يتطلب حلولاً استراتيجية، وفي مقدمتها تشريع قانون النفط والغاز الذي طال انتظاره، والذي سيكون بمثابة خارطة طريق تضع حداً للتنازع وتفتح باب الشراكة العادلة بين جميع مكونات الوطن.
![]() |
السوداني يزور أربيل ويلتقي بارزاني في مقر إقامته |