📁 آخر الأخبار

من محراب الكوفة إلى خزينة بغداد.. عليٌّ يحاسب ونحن نغضّ الطرف

علي كريم إذهيب - بينما يحتفل المسلمون الشيعة في كل عام بعيد الغدير الأغر، حيث نُصّب الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام أميرًا للمؤمنين في أعظم مناسبة للولاية بعد النبوة، يبرز أمامنا جانب مهم في سيرة الإمام علي، وهو إدارته الاقتصادية العادلة والحازمة للدولة الإسلامية، التي لا تزال، رغم مرور أكثر من أربعة عشر قرنًا، تمثل نموذجًا يُحتذى، خاصة إذا ما قورنت بحال الدول التي تعاني من الفساد والهدر، وفي مقدمتها العراق المعاصر.

اقتصاد قائم على العدالة والزهد

حين تولّى الإمام علي عليه السلام الحكم بعد خلافة مضطربة، كانت خزينة الدولة مثقلة بالتجاوزات والامتيازات التي نُسجت على حساب عامة الناس. واجه هذا الواقع المؤلم باقتصاد صارم قائم على العدالة الاجتماعية، الزهد الشخصي، والمحاسبة الفورية. لم يميز بين غني وفقير، أو قريب وغريب، بل ساوى في العطاء، وقسّم بيت المال بالسويّة دون محاباة.

لم يكن بيت مال المسلمين يُدّخر؛ فقد كان الإمام يأمر بتوزيعه مباشرة على الناس، وكان شعاره “ألا وإنّ لكلّ مأموم إمامًا يقتدي به، ويستضيء بنور علمه”، فكان قدوة في رفض الثراء الشخصي من أموال الأمة، حتى أن طعامه كان من أبسط ما يكون، ولباسه خشنا.

صرامة ضد الفساد والمحسوبيات

من أوائل قراراته بعد استلام الحكم، عزل الولاة الذين عُرفوا بالفساد أو الترف أو المحاباة، حتى وإن كانوا من المقربين، وأعاد الأموال المنهوبة إلى بيت المال، رغم غضب المتضررين. يقول في إحدى رسائله لعثمان بن حنيف: “أأقنع من نفسي بأن يقال هذا أمير المؤمنين، ولا أشاركهم في مكاره الدهر؟”.

لقد كانت سياسته تقشفية مدروسة، فحارب التراكم غير المشروع للثروات، وفرض رقابة مالية صارمة على عماله وولاته، ومنع أي استغلال للسلطة من أجل الكسب.

الاقتصاد العراقي اليوم.. نقيض المبدأ العلوي

عند مقارنة نهج الإمام علي عليه السلام مع الاقتصاد العراقي اليوم، تبدو المفارقة مؤلمة. العراق، رغم ثرواته النفطية الهائلة، يعاني من نظام مالي مترهّل، وفساد مستشري، وطبقات سياسية راكمت الثروات بينما يعيش أكثر من 25% من الشعب تحت خط الفقر، وتغيب العدالة في توزيع الثروات والمناصب.

الاقتصاد الريعي الذي يعتمد على النفط وحده، دون تنويع ولا دعم للصناعات والزراعة، لا يشبه مطلقًا نظام الإمام علي، الذي كان حريصًا على تنمية موارد الدولة من خلال تشجيع الزراعة، وحفظ حقوق العمال والفلاحين، ومكافحة التبذير في المال العام.

دروس من علي للعراق اليوم

 • العدالة في التوزيع: أساس أي نظام اقتصادي عادل. لا يمكن لأي مجتمع أن ينهض مع وجود امتيازات طبقية فاحشة.

 • محاسبة الفاسدين: العفو عن الفساد هو قتل للأمل الوطني. علي عليه السلام لم يتسامح مع من خان بيت المال.

 • الزهد في الحكم لا الترف فيه: الحاكم خادم لا مالك، وهذه فلسفة غابت عن الكثير من ساسة العراق.

 • التنمية الحقيقية لا الريعية: الإمام لم يُدِر اقتصادًا ريعيًا، بل فعالًا ومتنوعًا يخدم الإنسان لا يستهلكه.

في عيد الغدير، لا يكفي أن نحتفل بمناسبة الولاء لعلي عليه السلام، بل يجب أن نستلهم من تجربته دروسًا للدولة، وخصوصًا في الاقتصاد، حيث تكمن قوام العدل الاجتماعي واستقرار المجتمع. فلو سار العراق اليوم على نهج علي، لما كان بين شعبه فقير ولا محتاج، ولا وجد في ساحته فاسدٌ آمن من العقاب.




تعليقات