أقسام الوصول السريع (مربع البحث)

📁 آخر الأخبار

الأبعاد الاستراتيجية للحرب الإماراتية المحتملة ضد الحوثيين

ناجي الغزي - في ظل تسارع الأحداث في اليمن، وانكشاف نوايا واضحة من قبل الإمارات، بدعم أمريكي، للتمهيد لحرب برية ضد جماعة أنصار الله (الحوثيين)، تدخل المنطقة مجددًا في منعطف خطير يعيد ترتيب موازين القوى ويهدد بإشعال صراع ممتد يتجاوز حدود اليمن. هذه التحركات تأتي في توقيت بالغ الحساسية، وسط مفاوضات أمريكية إيرانية مستمرة، وتباينات داخل الخليج، وتورط متزايد للإمارات في استخدام أدوات محلية لخدمة أهداف استراتيجية أبعد من اليمن.

*أولاً: الأبعاد الاستراتيجية للحرب البرية الإماراتية*
1*-الهدف المعلن:*
• تحجيم نفوذ الحوثيين، خاصة في المناطق الساحلية على البحر الأحمر (الحديدة)، لتأمين الملاحة الدولية والسفن الأمريكية والإسرائيلية في باب المندب.
• حماية المصالح الاقتصادية لإسرائيل، عبر ضمان بقاء خطوط الإمداد مفتوحة من آسيا إلى المتوسط، وهو ما يتقاطع مع الرؤية الإماراتية كجسر لوجستي في مشروع "الهند - الشرق الأوسط - أوروبا".
2*-الهدف غير المعلن:*
• إعادة تشكيل الخارطة السياسية لليمن بما يتناسب مع مصالح الإمارات، من خلال تقوية الفصائل الانفصالية الموالية لها (المجلس الانتقالي الجنوبي).
• تحقيق توازن ضد السعودية، من خلال السيطرة على مفاصل حيوية في الجنوب اليمني وإضعاف الحكومة الشرعية المدعومة من الرياض.
3*-الاستراتيجية العسكرية:*
• تكثيف الضربات الجوية الأمريكية كتمهيد ميداني.
• نشر قوات انفصالية موالية للإمارات (العمالقة، الحزام الأمني، قوات طارق صالح) باتجاه الساحل الغربي.
• العمل على عزل الحديدة وضرب مراكز دعم الحوثيين اللوجستية، وصولاً إلى محاولة إبعاد الحوثيين عن البحر.

*ثانياً: التداعيات المحتملة*
1-*على الإمارات*: دخول الإمارات في حرب برية مباشرة أو عبر وكلاء سيضعها في مواجهة استنزافية، خاصة أن الحوثيين لديهم خبرة طويلة في حروب الجبال، ويمتلكون قدرات صاروخية ومسيرات مؤثرة. وفق مصادر موثوقة وتحليلات استخباراتية، فإن “أنصار الله” قد جمعوا خلال السنوات الأخيرة بنك أهداف استراتيجي شامل داخل الإمارات، يتضمن أكثر من 65 نقطة حيوية، تشمل: (مطارات، موانئ، منشآت نفطية، ومراكز حيوية) عبر طائرات مسيّرة أو صواريخ باليستية.
أي دعم إماراتي لعملية برية يُفسر كعدوان مباشر على أحد أبرز حلفاء طهران في المنطقة، مما قد يعيد توتر العلاقة مع إيران ويزيد التصعيد الأمني في الخليج.
2-*على اليمن*: تصعيد المواجهة الأهلية ستؤدي إلى تقسيم أكبر للمشهد اليمني، مع تعميق الانقسام بين الشمال والجنوب، وظهور جبهات صراع متعددة. وتأجيج الشعور الوطني ضد التدخل الأجنبي، قد تتحول الحرب إلى وقود لحشد شعبي واسع خلف الحوثيين باعتبارهم يواجهون "عدوان خارجي"، كما جرى خلال الحملات السعودية السابقة. وتحول اليمن إلى ساحة حرب إقليمية - دولية، مع تنامي الأدوار الصينية والروسية، وعودة أمريكا إلى دورها العسكري المباشر.
3-*على المنطقة*: توسيع رقعة الفوضى الجيوسياسية بالتزامن مع ما يجري في السودان، والضغوط على العراق وسوريا، فإن إشعال جبهة اليمن سيعني إرباك كامل للمنطقة. الخطوة الإماراتية تأتي ضمن سياق "تحالف المصالح" مع إسرائيل، ما يثير حساسية شعبية عربية ضد مشاريع التطبيع والتدخلات بالنيابة عن تل أبيب. ربما تخلق الحرب تفجير الصراع السني-الشيعي مجدداً، في حال دخول السعودية مجدداً من الباب الخلفي، سيأخذ الصراع طابعاً مذهبياً أكثر وضوحاً، يعيد اصطفافات ما بعد 2015.

*ثالثاً: السيناريوهات المستقبلية*

*السيناريو الأول: الحرب البرية تنطلق وتفشل:*
إحتمالية صمود الحوثيين على غرار معارك صعدة وصنعاء سابقًا. وسقوط قوات الانتقالي في فوضى وتراجع، ما يُحدث ارتداداً سياسياً على الإمارات داخلياً وخارجياً. وتصعيد الحوثي ضد الداخل الإماراتي، باستخدام قدراته الجوية.
*السيناريو الثاني: الحرب البرية تنطلق وتنجح جزئياً:*
السيطرة على مناطق محدودة دون حسم كامل. مما يخلق أمر واقع سياسي جديد في الغرب اليمني، لكن مع استمرار حالة اللااستقرار. وتهديد دائم لمضيق باب المندب مع احتفاظ الحوثيين بقدرات بحرية.

*السيناريو الثالث: الضغط يتراجع والخطة تُجمّد:*
السعودية ترفض المشاركة خشية انتقام الحوثيين من شركة أرامكو النفطية. أما أمريكا تفضّل التركيز على المسار الدبلوماسي مع إيران. بينما الإمارات تكتفي بالدعم الاستخباراتي واللوجستي دون تدخل مباشر.

*الخلاصة الاستراتيجية*:
تشير التطورات الإقليمية إلى أن الإمارات قد تكون بصدد الانخراط في مغامرة ميدانية محفوفة بالمخاطر، في توقيت لا يخلو من التعقيد والحساسية. ففي ظل غياب التوافق الخليجي وتزايد التهديدات المحيطة، خصوصاً مع تنامي القدرات الردعية لصنعاء واحتمال اندلاع مواجهة أوسع مع إيران، تبدو هذه الخطوة وكأنها رهان محفوف بالعواقب غير المحسوبة.
الإمارات، التي تسعى لترسيخ حضورها كلاعب إقليمي مستقل، تجد نفسها اليوم على حافة تحوّل استراتيجي قد يُعيد رسم خريطة النفوذ في المنطقة، ويدفع الأطراف الفاعلة إلى إعادة تموضعها وتحالفاتها. غير أن هذا السعي، الذي يبدو من الخارج وكأنه محاولة لحماية مصالح الملاحة الدولية، يخفي في جوهره اصطفافاً ضمن أفق أوسع من الحرب بالوكالة لصالح قوى كبرى كأميركا وإسرائيل.
في هذا السياق، تصبح المغامرة البرية في اليمن أكثر من مجرد خيار عسكري؛ إنها مقامرة قد تفتح أبواب تصعيد غير قابل للسيطرة، وتهدد بتحويل الإمارات نفسها إلى مسرح للصراع الإقليمي، لا مجرد فاعل فيه. اليمن، بتعقيداته الجغرافية والاجتماعية والتاريخية، ليس ساحةً متاحةً لحسم سريع، بل أقرب إلى فخ استراتيجي قد يُكلف الداخل الإماراتي أثماناً باهظة سياسياً واقتصادياً.





تعليقات