د.محمد عبيد حمادي - منذ عدة أسابيع، تجددت الأحاديث والتكهنات في الأوساط الإخبارية والأمنية عن احتمال شن الولايات المتحدة ضربة عسكرية مفاجئة على إيران، في خطوة استندت في سردها إلى تصريحات البيت الأبيض وبعض المسؤولين الأمريكيين الذين لم يبخلوا بإبداء آرائهم حول التوترات المتصاعدة في المنطقة. وفي خضم هذه الأحداث، ظهر أن الفصائل الأمريكية في الإدارة تتخذ موقفًا أكثر حزمًا، معتبرةً أن سلوك إيران وتصاعد تحدياتها الإقليمية لا يمكن تجاهله، وأنه في حال استمرار المسار الراهن، قد تصل الأمور إلى نقطة التحول التي تقتضي استخدام القوة لحماية مصالح الولايات المتحدة وحلفائها.
وفي تصريحات تم تداولها على نطاق واسع، أشار مسؤولون من البيت الأبيض إلى أن “القدرة العسكرية الأمريكية لا تعرف المفر” مشددين على ضرورة الرد على أي تصعيد تهدّد استقرار المنطقة وسبل التجارة العالمية. ورغم عدم الإدلاء بتفاصيل دقيقة حول موعد أو موقع محتمل للضربة، فقد تضمن البيان دعوات لعوامل الردع الشامل، مؤكّدًا على أن الولايات المتحدة تراقب الوضع عن كثب وأن أي محاولة لاستفزازها بشكل مباشر ستواجه ردًا صارمًا وعاجلًا. ورافق هذا التصريح نبرة من الثقة المطلقة في قدرة القوات الأمريكية على تنفيذ مهامها العسكرية بكفاءة عالية، وهو ما أكدته تصريحات لاحقة لرئيس هيئة دفاعية بارز تحدث عن استعداد الوحدات الأمريكية والمعدات المتقدمة التي تم تعبئتها استعدادًا لأي تحول مفاجئ في الخطط العملياتية.
وبينما تستمر التوترات بين طهران وواشنطن على خلفية خلافات طويلة الأمد حول البرامج النووية والدعم الذي تقدمه الدولة الإيرانية لبعض الفصائل المسلحة في مناطق متعددة من الشرق الأوسط، أُشعلت الساحة الإعلامية بنبوءات وتحليل استراتيجي يشير إلى إمكانية وقوع ضربة حاسمة في حال تراكم العوامل المؤدية للتصعيد. وقد تناول محللون سياسيون هذا السياق بكثير من الحذر، معتبرين أن التحركات العسكرية الأمريكية ليس من شأنها أن تكون مجرد رد فعل، بل خطوة استراتيجية تهدف إلى تعزيز موقف الولايات المتحدة في منطقة عانت من اضطرابات وصراعات دامت لعقود طويلة. وقد شدد هؤلاء المحللون على أهمية النظر إلى الأمور بمنظور أوسع يشمل تأثير الضربة المتوقعة على الاقتصاد العالمي وأسواق النفط التي تُعد أحد أهم المحاور الاقتصادية في المنطقة.
وفي سياق متصل، استمدت التصريحات التي صدرت من كبار المسؤولين الأمريكيين طابع الدعوة إلى الصرامة واليقظة، حيث أُبلغ أن القرار لم يكن مفاجئًا بل جاء نتيجة دراسة تحليلية مستفيضة للمخاطر والبدائل المتاحة، ما يعكس جانبًا من الانقسام داخل الإدارات الأمريكية حول خطط التصعيد المحتملة. فقد ذكر بعض المسؤولين أن الولايات المتحدة استعدت لسيناريوهات متعددة تتراوح بين التدخل العسكري المباشر إلى تطبيق ضغوط اقتصادية وسياسية مكثفة، مع الأخذ في الاعتبار المرونة الدولية والتداعيات المحتملة على العلاقات مع الدول الحليفة والشركاء الاستراتيجيين. وفي هذا السياق، كانت تصريحات البيت الأبيض تحمل مفردات تحذر من مغبة التجاوزات على الحسابات الدبلوماسية، وأن أي خطوة عسكرية ستتخذ فقط بعد استنفاد كافة المحاولات الدبلوماسية والضغوط السياسية.
وفي ظل هذا التوتر الدبلوماسي، لم تكن هناك بريدة من التكهنات بشأن العواقب المحتملة للضربة المتوقعة على إيران؛ إذ رأى بعض المحللين أن مثل هذه الخطوة قد تؤدي إلى دوامة غير متوقعة من التصعيد العسكري في منطقة حيوية إقليميًا. ورغم الحذر الذي تبديه الإدارة الأمريكية في تصريحاتها، إلا أن هناك إشارات ضمنية إلى أن ردود الفعل ستكون سريعة وحاسمة سواء من جانب إيران أو من قبل دول محلية قد ترى في ذلك فرصة لتعديل موازين القوى. وتخللت التقارير إشارات إلى احتمال تنفيذ ضربة مركزة تستهدف مواقع استراتيجية، وهو ما يرى فيه البعض جانباً من الضبط العسكري الذي يعتمد على التكنولوجيا المتقدمة والقدرات الاستخباراتية الهائلة، لتفادي وقوع أي أخطاء قد تكلف الكثير على الصعيد السياسي والعسكري.
وفي خضم هذه الحديث، برزت أيضاً تصريحات بعض السياسيين الأمريكيين الذين أفادوا بأن الضربة المحتملة ليست مجرد عملية عسكرية عشوائية، بل هي نتيجة تدرج طويل من الأحداث التي شهدتها العلاقات الأمريكية الإيرانية. وكان من الواضح في الأحاديث أن الضربة لن تكون خطوة فردية، وإنما ستأتي في إطار سلسلة من القرارات والعمليات العسكرية التي تهدف إلى الحد من النفوذ الإيراني في مناطق عدة، خاصة تلك التي تعتبرها الولايات المتحدة نقاط ضعف يمكن استغلالها لتحقيق مصالحها الإقليمية والعالمية. ورغم ذلك، فإن الأجواء المتوترة والعناوين الصحفية التي طالما صاحبت مثل هذه التصريحات كانت مؤشراً على أن مثل هذه الضربة قد تحمل في طياتها تبعات جيوسياسية كبيرة وإمكانية إعادة رسم ملامح التحالفات في منطقة الشرق الأوسط.
وفي الوقت الذي يستمر فيه النقاش حول مصير هذه الخطة، تتصاعد الدعوات داخل الدوائر الأمنية والأكاديمية للبحث عن حلول سلمية بديلة، مستندة على أن الاستجابة العسكرية لا تحل الكثير من التعقيدات السياسية والاقتصادية التي ترافق النزاعات في المنطقة. ومع ذلك، يبدو أن الأصوات التي تدعو إلى اتخاذ إجراءات صارمة واستخدام القوة العسكرية لا تزال تجد صداها بين قطاعات من المسؤولين الأمريكيين الذين يرون في التصعيد خطوة لا مفر منها إذا ما استمرت الانتهاكات وتصاعدت المخاطر على مصالح الأمن القومي الأمريكي. وقد بقيت المشهد متوتراً في الساحات الدولية، مع تتابع التصريحات التي تسلط الضوء على مدى استعداد الولايات المتحدة للدخول في مرحلة جديدة من المواجهة مع إيران، وهو ما يعكس تحولاً في السياسات الخارجية الأمريكية في التعامل مع التحديات المعقدة التي تؤرق النظام الدولي.
وبينما ينتظر العالم مصير هذه الأحداث على مستوى المشهد العالمي، يبقى السؤال معلقاً حول مدى قدرة الأطراف المعنية على احتواء التوترات وتحويل مسار الأحداث نحو حل دبلوماسي. ورغم التحذيرات المتبادلة والبيانات النارية التي لم تفتُ معلوماتها عن أفق زمني محدد، تتجسد في هذه اللحظات ثقيلة من القرارات المصيرية التي قد تغير معالم السياسة العالمية في المستقبل القريب. وبينما يحتدم الجدل الدبلوماسي وتحوم توقعات بدخول مرحلة جديدة من التعامل العسكري، يبقى الأمل في أن تسود الحكمة والاعتدال لتجنب دوامة تصعيدية قد تنذر بتداعيات لا تحمد عقباها على مستوى المنطقة والعالم.